الروبوتات والآلات التطبيقية

مرعب: تطوير روبوتات قادرة على التزاوج والتكاثر لإنتاج أجيال أكثر تطورا

العلماء في خطى حثيثة نحو إنتاج روبوتات قادرة على التزاوج والتكاثر فيما بينها مثل أي كائنات حية بيولوجية على الأرض حسب ما يؤكده مجموعة من أشهر الباحثين في مجال الروبوتات في دراسات منشورة ومثبتة نقوم بتقديم تفاصيلها.

البداية : روبوتات “واعية” قادرة على برمجة نفسها

كما في أفلام الخيال العلمي، قام مجموعة من المهندسين في جامعة كولومبيا الأمريكية بتطوير “ذراع ميكانيكي” قادر على برمج نفسه تلقائيا حتى بعد أن “مرض“.

بمعنى أن الذراع الميكانيكي تعرض لمشاكل في عمله، فقام بإعادة برمجة نفسه للتأقلم مع الوضع الجديد. وحسب تصريح البروفيسور هود ليبسون الذي قام بإدارة المشروع لصحيفة اكسبرس ، فإن هذا شبيه بتأقلم المواليد الجدد مع محيطهم عند الولادة ومحاولة تعلم العيش من جديد في مكان يختلف جذريا عن الرحم.

تعلم الروبوت بدأ من الصفر

وتضيف صحيفة التلغراف أن “الذراع لم يتم مده بأي معرفة حول الفيزياء، الأشكال الهندسية أو ديناميكا الحركة”. فقط، قام المهندسون بإعطائه القابلية لتخيل نفسه عبر عملية محاكاة ذاتية.

ففي بداية العملية لم يكن الروبوت الصغير يعرف أي معلومة عن شكله، فأخذ يتحرك عشوائيا في كل الإتجاهات محاولا القيام بمهمات وحركات متعددة.

ذراع روبوت قادر على التصور الذاتي وإصلاح وإعادة برمجة نفسه
ذراع روبوت قادر على التصور الذاتي وإصلاح وإعادة برمجة نفسه – الصورة من جامعة كولومبيا –

الروبوت يكون تصورا ذاتيا عن وجوده

وبعد مرور يوم من التعلم والتجارب، توصل الذراع إلى صورة نسبية عن شكله وتكوينه وقدراته، أي ماهو قادر على فعله، وكيف يفعله بسهولة. ليصبح قادرا بعد 35 ساعة على نقل أشياء من مكان إلى آخر بدقة كاملة ودون أخطاء.

أي أن الجهاز توصل إلى فهم أنه ذراع، وأنه قادر على مسك و نقل الأشياء، وقام بتحديد مكان الأشياء ثم التقاطها ثم تحديد المكان الذي يريد وضعها فيه ثم يضعها بدقة 100%، قبل أن يمر حتى لتعلم الكتابة على سبورة باستخدام قلم!

إثر ذلك، قام العلماء بتجربة التسبب في “مرض” الروبوت عبر عمل تشوهات واعوجاجات في أجزائه، فاكشتف الذراع ذلك وقام بتعديل معارفه والتأقلم ليواصل إنجاز مهماته السابقة بنجاح.

هذه القفزة في عالم الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والنظم القائمة على المعرفة Knowledge-based systems تحيلنا إلى أن البروفيسور ليبسون وفريقه يعملون في الحقيقة على إنتاج روبوتات تطورية.

بمعنى أن الروبوتات سوف تعتمد على النموذج التطوري الدارويني لتتطور وتتأقلم ثم “تتكاثر” وتنتج أجيالا أكثر فعالية، عوضا عن التصميم المسبق ثم الإنتاج الذي نعتمد حاليا لتصنيعها.

تكاثر الروبوتات ذاتيا فيما بينها، كيف؟

رغم أن هذه التجربة لا تعد في حد ذاتها، من وجهة نظر المتابع العادي غير المتخصص، إشارة كبيرة، إلا أنها تعتبر خطوة هامة في اتجاه تطوير روبوتات “واعية” وقادرة على التأقلم والتطور دون تدخل بشري.

نستخلص من هذه التجربة نقطتين هامتين:

الأولى: الروبوت كان قادرا على تطوير نفسه برمجيا من الصفر، أي من ناحية ال software.

الثانية: الروبوت كان قادرا على التأقلم جسديا مع تغييرات قاسية وحوادث مشابهة ل”مرض” الإنسان، وتطوير معارفه والتأقلم، أي من ناحية ال hardware.

تطوير روبوتات قادرة على التزاوج عبر تشارك وتبادل ميزاتها البرمجية والميكانيكية
تطوير روبوتات قادرة على التزاوج عبر تشارك وتبادل ميزاتها البرمجية والميكانيكية

بالنظر إلى هاتين النقطتين يطرح سؤال: ماذا إن كان الروبوت قادرا على مشاركة هذه المعارف المكتسبة والتطورات مع غيره من الروبوتات؟

بمعنى: ماذا إن كان روبوتان موجودين منذ “ولادتهما” في نفس التجربة، يطوران برنامجيهما في يوم واحد ثم يقومان بدمج الكود لإنتاج كود واحد جديد.

وماذا إن قاما بدمج الذراعين، عبر المعارف الميكانيكية التي اكتسباها بالبحث والتجربة، ليصبحا روبوتا واحدا بذراعين، ثم يقومان بتعلم استخدامهما معا عبر دمج الكود.

ويتواصل “تطور” الروبوت الجديد بإضافة أذرع أخرى ربما يستعملها كأرجل للتنقل…

البروفيسور ليبسون أفاد في تصريح لقناة RT أن الروبوت ذي الذكاء الاصطناعي “سيواصل التعلم مثل طفل صغير وينمو في طريقه الخاص”.

أي أن الروبوتات المتشابهة في صناعتها وعند وضعها في بيئات مختلفة قد تتطور وتصبح مختلفة أيضا.

لكن المهم أولا، أي تكنولوجيا نظرية لإنتاج روبوتات قادرة على التزاوج ؟ كيف يتم ذلك؟

التطور الدارويني للروبوتات : كيف يعمل

كل منا لدينا فكرة عن نظرية التطور الدارويني: النشوء والإرتقاء للأنواع للوصول إلى الجنس البشري انطلاقا من خلية.

وإن كانت هذه النظرية فشلت في إيجاد إثباتات علمية دامغة لافتراضاتها، فإنها كانت ملهمة لمهندسي الروبوتات لإنتاج روبوتات متزواجة وتطورية.

وهكذا، قام الباحثون في جامعة فريجي في أمستردام Vrije Universiteit Amsterdam بتصميم روبوت بدائي قادر على إنتاج “نسله” الخاص، عبر التفاعل مع روبوت آخر ودمج معلوماتهما “الجينية”.

روبوتان يتزوجان وينجبان الأبناء !

قام المهندسون بإنتاج روبوتين من هذا الموديل، للقيام بدور الوالدين، مع برمجة الخصوصيات والمعارف في شكل جينات منفصلة قادرة على التفاعل، حسب الدراسة المنشورة في Nature Machine Intelligence.

وقام الروبوتان الوالدان بدمج أجزاء من كودهما الخاص. وأكثر من ذلك، قاما بإنتاج أجيال جديدة عبر طابعة ثلاثية الأبعاد، من نوعهما، عبر دمج الأجزاء الأكثر قوة وفاعلية من كل منهما، ل “إنجاب” روبوتات أقوى وأفضل وأكثر مهارة وفاعلية في أداء المهمات.

الأجيال الجديدة من الروبوتات تواصل التطور والتكاثر

وبما أن الروبوتات “الأبناء” أيضا تتمتع بنفس التصميم الجيني للآباء، فإنها تواصل التعلم والتأقلم ثم “التكاثر” لإنجاب روبوتات أخرى أقوى وأكثر فاعلية وقدرة على التأقلم مع المحيط المتغير أو المجهول الذي توجد فيه.

وكما نلاحظ في الصورة، الأبوان الأخضر والأزرق مختلفان في الشكل واللون والخصائص، وقاما بدمج برمجياتهما، ثم إنتاج روبوت عبر اختيار جزء من كل منهما، ويحمل كلا اللونين.

لكن المثير للدهشة هو أن الروبوت الإبن رأسه أبيض، أي أن طفرة تطورية حصلت في هذا الجيل!

 

الروبوتان تزاوجا "لإنجاب" روبوت جديد مختلف
الروبوتان تزاوجا “لإنجاب” روبوت جديد مختلف

 

والروبوت الجديد مختلف عن الأبوين، وقادر على تنفيذ مهام كل منهما.

وفي التجربة، قام البروفيسور آيدن وفريقه بتصميم نظام حياة كامل للروبوتات، يشمل منطقة للعيش والعمل، منطقة للتزاوج ومنطقة للولادة مجهزة بطابعة ثلاثية الأبعاد.

وعند ولادته، يمر الروبوت الطفل لمنطقة التعلم حيث يطور مهاراته ويجتاز مجموعة اختبارات. إن نجح فيها كلها يعتبر روبوتا بالغا ويمكنه حينها بدوره أن يصبح “أبا” عبر البحث عن شريك متوافق لدمج البرمجيات والأجزاء.

الروبوتات في التجربة تختار شريكها للتزاوج وإنجاب أجيال أقوى وأفضل
الروبوتات في التجربة تختار شريكها للتزاوج وإنجاب أجيال أقوى وأفضل

تكاثر الروبوتات ، لماذا؟

بعيدا عن العناوين المثيرة أو التجارب الممتعة، لم قد يركز العلماء على تطوير روبوتات قادرة على التزاوج،التعلم، التطور والاندماج؟

أول الاستعمالات المنطقية لمثل هذه الروبوتات هو غزو الفضاء. بتطوير روبوتات بدائية، رخيصة التكلفة، خفيفة الوزن وصغيرة الحجم، تعمل بالطاقة الشمسية ثم إرسالها إلى مستعمرات روبوتية على سطح القمر أو المريخ.

حيث تبدأ هذه الروبوتات باستكشاف المحيط والتأقلم معه، تكوين خرائط للمكان واكتشاف قدرتها على التنقل فيه وجمع العينات، ثم الاندماج ومشاركة هذه المعارف وإنتاج أجيال جديدة أكبر وأقوى وأقدر على إنجاز مهمات أصعب مثل بناء مآوى أو حتى سفن فضائية، و “العيش” في الأماكن التي لم تكن معروفة حتى.

ويمكن تخيل استعمالات أخرى كثيرة مشابهة لهذا، أساسها هو قدرة الروبوتات على التعلم والتأقلم والتطور تلقائيا دون تدخل بشري.

الروبوتات ستكون قادرة على التعلم تلقائيا دون تدخل بشري
الروبوتات ستكون قادرة على التعلم تلقائيا دون تدخل بشري

إن أنتجنا روبوتات قادرة على التزاوج والتطور دون تدخلنا، ألن يشكل خطرا على وجودنا؟

صحيح أن إنتاج مثل هذا النوع من الأجهزة الذكية قد يساعد في إنجاز كثير من المهمات الصعبة أو المستحيلة حاليا، مثل استعمار الكواكب أو استكشاف المحيطات والبراكين والأدغال الخطيرة المجهولة.

لكن من وجهة نظر مختلفة، إن كنا سنطور أجهزة ذات ذكاء مستقل وقدرة على التطور والتكاثر، كيف سيمكننا التحكم في هذه الأجهزة؟

البروفيسور آيدن نفسه اعترف أن السيطرة على الروبوتات “الأبناء” أمر صعب كصعوبة السيطرة على الأبناء في الحياة الحقيقية.

إذ يعترف أنه مثل الأطفال، يمكنك توجيه الروبوت وتعليمه وتربيته لينتهي به المطاف طفلا عاقا ويغادر المنزل دون عودة ليعيش “حياته” كما يريدها.

الروبوتات ستكون مثل الأطفال تتعلم لكن تحتاج التربية والتوجيه وصعبة التحكم
الروبوتات ستكون مثل الأطفال تتعلم لكن تحتاج التربية والتوجيه وصعبة التحكم

الروبوتات قدراتها قوية، لكن الإنسان مميز

الروبوتات حاليا تتفوق على الإنسان من جهات عديدة:

  • القوة البدنية كروبوت أطلس الخرافي
  • الحساب الرياضي والذهني
  • وحتى بعض القدرات المنطقية كلعب الشطرنج

وقد قمت شخصيا بالعمل على مشروع برنامج “تفكير منطقي” قادر على اكتشاف التضارب المنطقي في الكتابات البشرية.

لكن يبقى الإنسان متفوقا بقدرات خاصة، تميز طبيعته البشرية مثل:

  • المشاعر والأحاسيس
  • الضمير
  • التفكير الفلسفي والإدراك الوجودي
  • الإيمان
  • الإرادة الحرة

روبوتات قادرة على التزاوج والتطور : هل يكسبها هذا الصفات الإنسانية المميزة؟

يعمل البروفيسور ليبسون وفريقه، البروفيسور آيدن وفريقه ومجموعات أخرى من الباحثين على تطوير هذه المهارات عند الروبوتات أيضا بحيث تصبح عندها مشاعر وإرادة وقدرة على التصور والإدراك الذاتي.

روبوتات قادرة على التزاوج والتطور قد تخرج عن السيطرة بسهولة
روبوتات قادرة على التزاوج والتطور قد تخرج عن السيطرة بسهولة

كرأي شخصي، أعتقد أن الإنسان سيبقى دوما مميزا بصفة “الروح” التي وهبها إياها خالقه والتي تميزه حتى عن الحيوانات.

لكن هذا لا ينفي الخطر الكبير الذي قد يسببه خروج التقنية عن السيطرة، مثلما حصل مع الديناميت أو التكنولوجيا النووية منذ عقود. وهذا باعتراف قادة هذه المشاريع أنفسهم.

إذ أدرج البرفيسور آيدن في ورقة البحث قسما كاملا بعنوان “كيف نتوقف”، يهتم بسؤال كيف نوقف تطور الأجهزة إن خرج عن السيطرة أو أضاف ميزات جديدة قد تشكل خطرا علينا.

كلمة الختام : روبوتات قادرة على التزاوج والتطور والتحسن تلقائيا: هل هي نعمة أم نقمة؟

هذا الإنجاز العلمي والتقني يفتح أبوابا جديدة من التطور والإزدهار للبشرية بكل تأكيد.

لكنه لا يخلو من مخاطر كبيرة إن خرج عن السيطرة، ويطرح جملة من الإشكاليات الدينية، الأخلاقية والقانونية لا بد من دراستها بنفس سرعة التطور العلمي.

ففي النهاية، قد يأتي اليوم الذي يقول فيه الروبوت أو الحاسوب “لا“.

الحل سهل: زر الإيقاف، لكن ماذا لو قررت الآلة حذف زر الإيقاف عند تطورها؟

لا تبخل علينا بإثراء الموضوع برأيك. هل تعتقد أن هذا الإنجاز مفيد أم مخاطرة كبيرة؟

 

No Comment

Leave a reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *